غروب أوّل: القدس

يرفع قطعة ملبّس اشتراها بسعر زهيد من طفل على حاجز، ملوّحًا بها خارج إطار النافذة، يمدّ يده في الهواء إلى أن تستقرّ أمام بؤرة الشمس فتسطع حُمرتها، يُغمض عينًا واحدة ويلتقط صورة لحبّة الملبّس المثبّتة في الهواء. «فكرك شو بيقصدو مشروع ليلى لمّا بيقولو مخبّى الشّمس بكرشي؟»

صعلوك في فراشي

بدا أن هذا تحول تراجيدي في قصتي العادية، شيءٌ لو أنه كان في رواية لبدا منفرًا. تخيّلته ينفخ الدُخان ولا يغمض عينيه عندما يفعل ذلك، تخيّلته ينفض عقب السيجارة، بمهارة، ولا يحترق شيء في العالم، ثم إن الكتب الثلاثة، بها جنسٌ كثير، وفي مكان خبيء عرفتُ أنني أتوق لهذا، لكنني لستُ متأكدة بأنني جيدة عندما يتعلق الأمر بالنّيك. 

قطعة صغيرة من الشوكولاتة السوداء

وأنا صغير جلست بجوار طفل يأكل الشوكولاتة، يقضم الفتات بطرف أسنانه ويستمتع بها، يحملها بكلتا يديه كأنها أغلى شيء يملكه. طلبت منه قطعة صغيرة فرفض، غضبت فدعوت الله أن يموت، بعد فترة قصيرة مات، لم يسقط من ارتفاع، لم تدهسه سيارة، حتى أنه لم يمرض، فقط مات.

المُثلّث

الصاحبان اللذان هاجرا 
/ لمطاردة سرابات مُتجمِّدة 
/ بعد أن تركا في عهدتي سلة ذكريات 
/ كسرا، في الغربة، / مُثلثا كنت أنا رأسه الباقية في البلاد
/ الصاحبان اللذان زرت معهما 
/ قبل سنوات 
/ تلك القرى المعلقة في الأعالي / والمنحدرة مثل عمود فقري لديناصور. / حيث كنا نرافق ثالثنا / لتفقد زيتونات جده / وأيضا، ليشذّب أغصان لغته / ويروي جذورها الأمازيغية ..بكلام ساكني القرية 


عالم الصباح من نصيبي

اعتادت أم ريما أن تتسمّر أمام التلفزيون في موعد ثابت كل صباح. من الممكن أن تجلس قبل الموعد المحدد بدقائق، خوفًا من تغيير بسيط في مواقيت العرض، الأمر الذي يفوّت برنامجها المفضل على شاشة تلفزيون «المستقبل»؛ برنامج عالم الصباح.كبرت ريما، وصارت مُدرّسة، وما زالت أمها متعلقة بهذا التوقيت، التاسعة وعشر دقائق.

الطموح الأعمى

«أنت شكلك ابن ناس يا أستاذ، ومش حمل بهدلة، شوف، الخلاصة أنت قصادك حلين، الأول أكتب لك البلاغ وأعطيك رقمه، وعليك تتابع مع النيابة والأجهزة المختصة يمكن يلاقوا عربيتك. الحل الثاني أبسط ويكلفك ٦٠٠ جنيه، وعربيتك ترجع لك في يومين ثلاثة بالكتير، لكن من غير بلاغات ولا صداع ولا وجع دماغ.. تختار إيه؟».

قصيدتان

أعرفُ قيمةَ العتمة،/ فهي تسمح للصوصِ بسرقةِ لحمي / وتساعد في حياكةِ مقبرةٍ على مقاسِ مجرّة. / هذا ملفك الأول أيتها الحرب / أورثتِ البحرَ ضبابَه الأسود / كبّدتِ العصافيرَ أعشاشها المُهجّرة / فماذا تبقى إن نزعتِ مساميرَ النعوش عن جثثِ العاشقين، / وصنعتِ لأرواحهم المتعبة ثقوبًا تجعل التحليقَ مرِنا؟/ أربعةُ قرون كافية / لزرع مكان كلِّ جثة خلّفتها الحربُ..

جدّ آلي ورد كو

حين اقترب من المسنّ أمسكه من ساعده، كان كهلاً قويًا، هتف بصوت قام من الأعماق: «أنت إبراهيم كادر». ولم يعرف إبراهيم إن كان المسن الغريب يخبره أم يسأله، كان إبراهيم شابًا صغيرًا، لكن الجميع يشهدون أنه قوي كالثور، هناك أشعار غير مكتملة تتداول بطولاته المبكرة، لكنه بين يديّ ذلك الكهل، أحس بنفسه مثل عصفور..

مقطوعة ٨ من ديوان المشمش

عزمني جاري عنده على العشاء / وكان عازم أصدقاء له أنا ما بعرفهم / أول مرة بحس إنه ما عندي رغبة أضيف شي / أو حتى أختلف / أبدًا ما كان في رغبة / اجتاحني شعور بفقدان أمل.. حلو / ممكن يعني انبسطت أن أراهم في الجحيم / كيف أنت على صح وهم على غلط؟ / الحقيقة أنه لا شيء..

ذاكرة سمكة

قام للترجّل عن القطار. كنت أتمنى أن يترجّل عنه قبلي لأقوم بتبديل مقعدي بمقعده والجلوس مقابلة اتجاه السير. كان الجلوس في الاتجاه المعاكس يصيبني بالدوار. عندما جلست على المقعد البرتقالي المهترئ الذي شغر كان مازال يحمل دفء جسده الذي ذكرني بذلك اليوم منذ خمسة أعوام. تذكرت ذلك في اليوم السابق …