عالم الصباح من نصيبي

اعتادت أم ريما أن تتسمّر أمام التلفزيون في موعد ثابت كل صباح. من الممكن أن تجلس قبل الموعد المحدد بدقائق، خوفًا من تغيير بسيط في مواقيت العرض، الأمر الذي قد يفوّت عليها برنامجها المفضل على شاشة تلفزيون «المستقبل»؛ برنامج عالم الصباح.
كبرت ريما، وصارت مُدرّسة، وما زالت أمها متعلقة بهذا التوقيت، التاسعة وعشر دقائق. تعرف أم ريما كل مذيعات البرنامج، تنتقد وتعطي حكمًا يوميًا على طلّتهن، وأكثر من تحبهن هي لينا دوغان ناصر. تُخبر كنّتها الموظفة التي لا يتاح لها متابعة البرنامج أنها «بتجنن، وشو ما لبست بيلبقلها، وناجحة في كل ما تقدم، حتى الأخبار لا تنجح بانتقاص أنوثتها الهادئة، على الرغم من شعرها ذو اللون الناري». كما أنها تتابع ملاحظات المهندسة الزراعية كندة.
إلاّ أن ما تتعلق به أم ريما حقًا، ولا تفوته لأي سبب، هي كارمن وفقرة الأبراج، والتي تنتظرها لترسم مخطط يومها.
أخت ريما الصغرى من ذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية، اعتادت هي الأخرى مواعيد أمها، فصارت منبهها الدائم، وفي حال أخذتها رائحة بهارات اللحمة والبصل التي تفوّحها على النار، تأتي الإبنة وتشدّ شعرها وتبرطم كلمات غير مفهومة، «أم مه أم مه كامّن». تكتفي الوالدة بهذا النداء، وسرعان ما تطفئ الغاز وتهرع لغرفة الجلوس. 
في التاسعة و55 دقيقة، قبل انتهاء الحصة الثالثة، تتصل ريما لتسأل أمها عن برج اليوم. في السابق، قبل انتشار الهاتف المحمول، كانت المهمة صعبة، وكثيرًا ما اضطررت لتأجيل موعد التليفون حتى استراحة ما بين الحصص، لتهرع إلى غرفة أمين السر، عمّو ممكن حَكّي الماما؟ لا يمانع أمين السر، ولا يرفض لمعلمة طلبًا، فكيف إن كان الاتصال لإخباره عن أحوال برجه، وسلامات الأم التي غالبًا ما ترفقها بالـسمبوسك الذي يحبه وتتقن أم ريما خبزه.
لكن في عصر الشاشة الفائقة الوضوح يتطور العلم، والمؤسسات التعليمية تزداد ليونة يومًا بعد يوم. وكما الإدارة، كذلك الطلاب طوّروا آليات التعامل مع معلمتهم، فصاروا يوقّتون صواريخم الورقية على موعد خروجها للاطمئنان من الوالدة على برج اليوم. 
«خراس انت وإياه ولااااا»، تزعق ريما ملئ صوتها بعد عودتها من الموعد اليومي ليصاب الفصل بما تسمّيه اصطلاحًا «سكتة صوتية»، حيث يصبح لسقوط الإبرة صوت كالضجيج، ويحذر الطلبة من معلمتهم مواليد برج الجوزاء في هذا اليوم. لكن عندما تداعب رنا، التلميذة المجتهدة الجالسة في الصف الأول مقعدها، يفهم التلاميذ ألاّ خوف من العقاب في حال مارسوا شقاوتهم المعتادة.
اليوم اتصلت طانط روز لتخبر أم ريما بعريس «لقطة»، وحدّدت صباح الغد موعدًا لزيارته مع أمه. 
«العاشرة، كويس؟»
«كويس. منيح إنو بعد كارمن.» 
أخذت ريما إجازة من المدرسة فيما تركت أمور الضيافة لأمها. في المساء قفزت الدَرج إلى الكوافير، ونامت ليلتها على ظهرها كي لا تخرب التسريحة. في الصباح استيقظت أبكر من المعتاد، بللت وجنتيها بماء الفيجة ووضعت لوشن مرطب للبشرة لكي ترتاح قبل المكياج. بعد نصف ساعة بالتحديد بدأت تلوين وجهها، تلاها ضربة سيشوار سريعة لشعرها، ومن ثم تسمرت في غرفة الجلوس وأشعلت التلفاز. 
اليوم لبنان ينتخب مجلسه النيابي. 
على الشريط الإخباري لتلفزيون المستقبل خبر منقول عن موقع إلكتروني لبناني يتحدث عن دخول حافلات تحمل مواطنين سوريين يودون الانتخاب. ريما تخاطب نفسها: «وما همّي؟» إلاّ أنها ابتلعت ريقها عندما صارت الساعة التاسعة والربع ولم يبدأ عالم الصباح بعد. تابعت الشريط الإخباري أسفل الشاشة حتى النهاية دون خبر عن تأجيل برنامجها.
«ولو، ع الأقل كارمن بس.» 
دقّت الساعة العاشرة، الباب لم يُقرع، وريما تنتظر.  


صورة الشريط © حيدر ديوه چي