أرقام هالة في الهالة

هالة؛ اسمها هالة. ومدير مكتبها اسمه شكري. رجل طويل من القرع الذين لديهم ثخنات جلدية فوق قفاهم مباشرة؛ مرعب. ورعبه يأتي أيضًا من صفات أخرى مشابهة؛ فهالة لا تعرف مَن عيَّنه هنا، وبينها وبين نفسها افترضت أن القيادة السياسية وراءه. كان يتقن إبداء اللطف والقسوة في الوقت نفسه، يأتي لها بما تريد قبل أن تطلبه ولكنه لا يتصرف على أنه يعمل لديها

أيام الحياة الطبيعية التي يقولون عنها

كان يسير بسرعة ويستمع للإذاعة، الزوجة قالت له أن الطفلة جائعة، لكنه لم يسمع جائعة لأنه عطس عطسة قوية انحرفت معها السيارة عن الطريق وانقلبت وعجنت رأس الزوجة والطفلة الجائعة، أما هو فخرج من السيارة المقلوبة مشوشًا ووقف ينفض ملابسه. أجد أن هذه ميته كوميدية بائسة، تناسب حياة رجل يطرق الناس باب شقته لأسباب غريبة.

ونعوي طويلًا كالذّئاب

النّأي وحده كان خِيارنا وبه رحنا نتوسّل أن نقترب. وكنّا نقول: إنّنا سننجو وسنعود. ملياراتٌ من الدمى نعيش سَبْتًا واحدًا، فوق كرة زرقاء مكتئب، فاض الوقت عنها حتّى لم تعد تدركه. لا شيء يحدث في الخارج، وكان هذا وحده ما يطمئِننا؛ نعيمُ أنّ شيئًا لم يفتنا. ومرتابين أخذنا نذرع الطّرقاتِ لعلّنا نصل..

حتى جاءت سماح علوان

كان ذلك في أحد الصباحات الموحلة من شهر يناير. لم تتوقف السماء عن الشتاء وانهزمت الشمس لأكوام سميكة من السحب الرمادية. انتشرت في القرية روائح الوحل المختلط بخراء البهائم. كنا نجلس في الفصل نيام تحفُنا هالة كبيرة من البؤس. استيقظنا فجأة على روائح ياسمين ينتصر في ثبات على روائح القمل والبراغيث.

الكلب

هذا الكلب لا ينبح على أحدٍ غيره، كأنه مُدرّبٌ على إثارة قلقه لا على حراسة منزل الجار. في كل مرة يلمحه، يقوم متحفزًا من جلوسه كما لو أنه مفترسٌ يستعد للانقضاض على فريسته. ولولا أنّ الحبل الذي يلتفُّ حول عنقه موثوقٌ بإحكامٍ إلى جذع شجرةٍ هزيلة، لانطلق في أثره بالتأكيد.

السّفر اللا-أيوبي

كلُّهم في شُغُل / فاكهونَ / المناويكُ من كلِّ صنفٍ / ولَون؛ / وأنتَ .. – نعم – / بيدينِ في جيبيكَ تنظرُ صوبَهم / وتَهزُّ، إن حُودثتَ، لهم كتفينِ واهنتينِ ( أصلًا!) / هل فكرتَ، وأنتَ تنظرُ: / أنَّ لا أحدًا غيرَ جامعةِ الأباطيلِ / استمالكَ / والذي لم يجد فوقَ نفسهِ من مَزيدِ؟ / ترى فواكِهَ / لبُّها طعمُ الرمادِ / تأنفُها (للجوعِ مكرُمَةٌ) / تراهُم ليسَ بالعينينِ بل، / بزئيرِ القساورِ، بنُباحِ الكلابِ / بدمِ الذئابِ الجارِفِ

كما لو أنها الفرصة الأخيرة

لأحلامي النادرة طبيعةٌ مختلفة، أذكر منها أن فوكو في مرةٍ كان يُقنع صديقًا لي بضرورة الزواج المبكر، ولا أعلم لماذا، فوكو بصلعته، يرطن بالفرنسية مع صديقي وينتظر الإجابة وصديقي يرد بـ «معاك حق والله». قبل اكتمال اليقظة يصير كل شئ مموجٌ وعشوائيّ. في مرة أخرى ناقشني صديقي الذي لا يقرأ سوى بوستات الفيس بوك أن ماركس أفضل من «الإكس بتاعتي» كما قال.

الحُبّ في الحشيش

جاريَ في نفس الدور رجل لا يُعرف عنه الكثير، بجانب أنه أصلع وأن له عادات غريبة، مثل وقوفه على باب الشقة بروب أحمر وهو يمسك في يده لعبة؛ عربية صفراء، كأنه ينتظر أحدًا أو شيئًا ما. إن تصادف وتعطل الأسانسير بأحدهم في دورنا وألقى السلام، يرده جاري بغمغمة غير مسموعة لكن مبتسمًا دائمًا.

غروب أوّل: القدس

يرفع قطعة ملبّس اشتراها بسعر زهيد من طفل على حاجز، ملوّحًا بها خارج إطار النافذة، يمدّ يده في الهواء إلى أن تستقرّ أمام بؤرة الشمس فتسطع حُمرتها، يُغمض عينًا واحدة ويلتقط صورة لحبّة الملبّس المثبّتة في الهواء. «فكرك شو بيقصدو مشروع ليلى لمّا بيقولو مخبّى الشّمس بكرشي؟»

صعلوك في فراشي

بدا أن هذا تحول تراجيدي في قصتي العادية، شيءٌ لو أنه كان في رواية لبدا منفرًا. تخيّلته ينفخ الدُخان ولا يغمض عينيه عندما يفعل ذلك، تخيّلته ينفض عقب السيجارة، بمهارة، ولا يحترق شيء في العالم، ثم إن الكتب الثلاثة، بها جنسٌ كثير، وفي مكان خبيء عرفتُ أنني أتوق لهذا، لكنني لستُ متأكدة بأنني جيدة عندما يتعلق الأمر بالنّيك.