رحلة إلى تونس، أو الموت

تونس الأم الحنون لكل الليبيين، البلد الذي يفرغون فيها طفولتهم وعربدتهم، يسيرون في طرقاتها عراة، ينفلت شيطانهم الذي يمسكون به كل يوم بقبضة أيديهم، يتحركون فيها بلا توازن، ويتكلمون فيها بلا توازن، ويضحكون فيها بلا توازن، ويحبون الفتيات العاشقات للحرية بلا توازن، ويمسكون بيومها بأكمله بافتعال الكحول، وبالطبع بلا توازن.

الرسام المزيف

أدركت مبكرا عجزي عن الرسم إلا أنني لم أسلم من مس الغواية، الفارق بيني ومن وقعوا في الفخ، أني نجوت، وإلا ما كنت لأقص عليكم بأريحية تجربتي العجيبة التي حاولت فيها خداع ربات الفنون ردا على تسليتهن القاسية. نجحت بطريقة مذهلة، وانتقمن بما يكفي لحفظ كبريائهن، لكني أعتبر نفسي الفائز الأكبر

تحول

في الأسابيع الأولى من دراستي في المدرسة الإعدادية كان كل تفكيري ينحصر أثناء حصص الصباح الأربعة في إيجاد طريقة كي لا أتعرض للضرب في فترة الفسحة. هكذا، بالتجربة وقليل من الحظ، وجدت الملاذ في مكتبة المدرسة.

الحي السويسري

علمت أنها انتقلا من الأرياف حديثا، لكن الزوج كان يعمل كموظف بالقاهرة، وكان يسافر يوميا إلى قريته، ثم قررا بعد إرث مفاجىء أصابته الزوجة، استيطان الحي السويسري وافتتاح مشروعهما العائلي، وهو ما فسر لي أيضا امتلاكه لنفس ماركة سيارتي شيفروليه أوبترا، لكن سيارته ذات موديل أحدث، رغم أن دكانهما لا يزيد عن كوة في حائط تدعي زورا وبهتانا عبر لافتة رسمت بفوتوشوب سيء الذوق أنها سوبر ماركت.

ماذا عن الغد؟

نهضت. رفعت سروال البيجاما. نهض هو الآخر. أطفأ التلفاز، قبل أن يصل البطل مفتول العضلات إلى سيارته هربًا من انفجار مكتوم في فيلم ممجوج الأحداث. أعاد جهاز التحكم إلى موضعه. غدًا يشتري بطاريات جديدة. ألقى نظرة على شاشة الهاتف. لملم الزجاجات والمناديل وألقى بها إلى القمامة. وضع بقايا البيتزا – سيتغدى بها وحده غدا – في حافظة بلاستيكية، ودفع بها في الثلاجة.

ثقوب في رأسه

قلت له يومها: تحسس فروة رأسك جيدًا، يمكنك العثور على عدد من الثقوب. قالوا له قبل النوم: في رأسك ثقب واحد، ابتعد عنه ولا تلمسه. سرعان ما ستكبر ويلتئم ذلك الثقب البشع في رأسك. بكى كثيرا متأثرًا بكلامهم، في ظلمة غرفته الكبيرة، راودته أحلام مريعة. في أحد أحلامه، ظل الثقب …

كوابيس صحفي أراد كتابة قصة قصيرة عن معركة المزرعة الصينية

في تلك الليلة التي ترك فيها نافذة الغرفة مفتوحة، في تلك الليلة التي كان فيها الهواء الصيفي يحرك الستارة، في تلك الليلة تحديداً حلم حلماً غريباً، وليست الغرابة في مضمون الحلم، كلا.. كلا لكن الغرابة في أن الحلم يسبب له الكآبة رغم أنه لا يتذكره بوضوح حينما يفيق.

القط العقلي

أعدّت لي يومها عجة بيض كانت تخفقها بالجبنة، فلا تضيف إليها ملحًا – في الجبنة ما يكفي، ولا فلفلاً أسود لأنني لا أحبه. تزلقها في صحني حين تجهز، تسألني إن كنت أريد خبزاً معها. أهز رأسي، وآكل البيض قرصًا من الشمس ساخنًا، وأخبرها بأنها ستكون أمًا جيدة. ضحكتْ لسخافات فتاة في الخامسة – ربما السادسة- تعتقد أن إعداد البيض بهذه الطريقة ضمانٌ لأمومة جيدة.

مؤامرة

على الرّغم من الكلمات التي اختارها المرحاض بعنايةٍ ودقةٍ لوصف هذا المعنى المقزز، إلا أنها ودون شكٍ لم تكن لتفصح عن رقيّه وأدبه؛ فهو كما تعلمون سيد الـ … لكنه قالها حفاظاً على كرامته التي هو بصدد محاولة استعادة شيءٍ منها الآن، وأكمل: أنصت جيداً وافتح أذنيك وعينيك، كل ما تراه هنا حقيقي، لقد ولّى زمن العبودية.

زجاجة مثلجة

العمارة في آخر حارة مسدودة. تخرج من الشارع، يمين في يمين في يمين، حتى تصل الطريق الرئيسي. الأمطار سالت في الشوارع وتجمعت في برك قذرة. تتجنب البرك بخفة. تشعر بحكة في أرنبة أنفك. تعطس. وتتسائل بعد العطسة لماذا تفعل بك هكذا؟ لماذا تتجنبك ولا ترد على أسئلتك! ألم تتعاهدا أن لا تتخاصما أبدا! لا تجدُ إجابة.