ونعوي طويلًا كالذّئاب

النّأي وحده كان خِيارنا وبه رحنا نتوسّل أن نقترب. وكنّا نقول: إنّنا سننجو وسنعود. ملياراتٌ من الدمى نعيش سَبْتًا واحدًا، فوق كرة زرقاء مكتئبة، فاض الوقت عنها حتّى لم تعد تدركه. لا شيء يحدث في الخارج، وكان هذا وحده ما يطمئِننا؛ نعيمُ أنّ شيئًا لم يفتنا. ومرتابين أخذنا نذرع الطّرقاتِ لعلّنا نصل، لكنّها ظلّت تكرّر نفسها، مثل أحاجي الجدّات وذكريات كانت ولم. فكّرنا في المأوى، إلّا أنه بدا نجوى قديمة كالطّين والنّار، شيئًا بدائيًا غير معلوم، ولذا ارتمينا حيث كنّا، ومنهكين رفعنا أيدينا لننظر إليها وقد بدت ثقيلة مرتبكةً كأسماك تموت، أسقطناها… وبعيونٍ ناتئةٍ نظرنا حولنا، كان الوقت متأخرًا، لا صوت يُسمع سوى حركة عقارب الساعات وهي ترتجف في بيوت كانت مكتظّة ثمّ خلت. الصّدوع في كلّ مكان، جروحنا وفيرة ووجوهنا حنينٌ مؤجّل، لكنّنا حاولنا التّماسك، كنّا نحلم بيوم ما بعد الكارثة، نحلم أن نبلغه لنقف في وجه العالم ونعوي طويلًا كالذّئاب. أقول لك كنّا نقول إنّنا سننجو، إلّا أنّ المرءَ لا يعني كلّ ما يقوله؛ ولذا كان بيننا ضعاف الذّمّة، أولئك الذين ما إن اهتزّت الأرض تحتهم حتّى ارتموا عليها، يمرّغون أجسادهم، ويشحذون وجوههم بصخورها، والدّم كأنّه السيل، يجري دونما توقّف.
إنها الثالثة فجرًا، نسمع الآن صوت ديكٍ يصيح، يقاطعه نباح كلب سائب، وشعورُنا جميعًا، أنّ الفجر بالذات، وقتٌ مناسب لاكتمال الكارثة.


صورة الشريط © حيدر ديوه چي