مدينة

اليوم دسست زهورًا تحت وسادتي، ولدّي من الحب، ما يكفي لأن أدسّ زهورًا تحت الطرق والأرصفة، لكنّي لا أقدر.

لا أعرف هذه المدينة
إلّا من خلال النّوافذ
نافذة الغرفة
نافذة السيّارة
ونوافذٌ أخرى يطلق عليها الآخرون كلمات مختلفة
وفي كلّ مرة أتخفف فيها عن نافذة
وأتمشّى في شوارع هذه المدينة
وعلى شطآنها
والريح تربّت على رأسي
دون الحاجة لأن تفقد بعض حنانها
وهي تنتظر، ضجرةً
كل هذه النوافذ
بأن ترخي أفاريزها
في كل مرة يُسمح لي بفعل هذا
أرى المدينة تكفهر
وينزلق سوادٌ ما على الإسفلت
ويزحف رجالها الذين ماتوا في الحرب
على أوجه المباني المتهشّمة
يزحفون
بينما تربض أجزائهم المبتورة
على ظهورهم
في طريقهم للبيت.

سوادٌ ما
يلطّخ المدينة
ويرغمني على أن أتقلّد نوافذي مجددًا
وأن أعيد كل الريح التي اختلستها.

قلتُ:
سأعود للبيت
الشمس مطفأة على كل حال
في السماء وفي قلبي
أعود، لأرى المدينة من الداخل
عبر النّوافذ
ومن الخارج
عبر النّوافذ أيضًا
لأنّ العتمة في داخلي تكفيني
ولأنّي وأينما ولّيت وجهي
فالمدينة ترقبني
لتضمّ خرابها إلى خرابي
وتحشر ترابها الدامي في فمي.

أنظر من النافذة
وأراها أمامي
أرى البحر
والجدّات اللائي يحتضرن تحت أغطيّة من الورد
أرى أطفالًا يلعبون
وأشجارًا تتكئ على بعضها
أرى هضاب الملح عند كل ناصية
وظلالًا تبحث عن أرض أخرى
لأن السّواد الذي يملئ المدينة
يروم التهامها.

الآن
أرى كلّ شيء بوضوح
المدينة مقبرة
للأموات والنساء اللّواتي
دسسن زهورًا تحت وسائدهن.


صورة الشريط © حيدر ديوه چي